Saturday, April 21, 2007

الحب والجنون


يتعجب الكثيرون من أحوال الحب الغامضة، فأحيانا لا يجد الناس سببا واحدا لعشق أحد الناس لآخر، فهو مليء بالعيوب والمحب لا يراها نهائيا، وكأن بصره قد كُف، فكل ما في حبيبه ايجابيات و لا توجد سلبية واحدة، واعجبتني هذه الأسطورة الخيالية والتي تبرر بشكل بسيط لماذا يردد الناس مَثل "مراية الحب عامية" ، وأيضا أغنية بوشناق

غارو مني غارو مني

وقالوا لي أيش عاجبك فيها

جاوبت لهم جهلي فني

خدوا عيني شوفو بيها



يحكي أنه كان يا ما كان ، في قديم الزمان ، وقبل أن يوجد البشر ، كانت الفضائل والرذائل تطوف العالم معًا ، وتشعر بالفراغ والملل الشديد .


وطردًا للملل ، وجلبًا لبعض المتعة ، لمعت في مخ الإبداع فكرة فنادى : إيه رأيكم يا شباب نلعب استغماية ، ونشوف مين آخر واحد يمكن الوصول إليه ؟


هللت الرذائل والفضائل متجاوبة ، ورأت في ذلك متعة جميلة ، وفرصة لقضاء وقت هانئ وتسلية مريحة .
وباندفاعٍ متوقَّعٍ صرخ الجنون : أنا الأول ، أنا ألعب الأول ، أنا من سيغمض عينيه ، وأنا من سيبدأ العدّ .. وعليكم أنتم الاختباء في أنحاء المكان .


ودون أن يعطيهم فرصة اتكأ بمرفقيه على شجرة وبدأ : واحد اثنان ثلاثة ..


وفعلاً بدأت الفضائل والرذائل بالاختباء - بحسب طريقة تفكير كل منها - فوجدت الرقة مكانًا لنفسها فوق القمر ، وأخفت الخيانة نفسها في كومة زبالة ، بينما دلف الولع بين الغيوم ، ومضى الشوق إلى باطن الأرض أما الكذب فقد قال بصوت عالٍ : سأخفي نفسي تحت كوم الحجارة هذا ثم غاص في قعر البحيرة عميقًا ، بحيث لا يراه الجنون .


استمر الجنون في العد وهو ينظر من خلال أصابعه : تسعة وسبعون / ثمانون / واحد وثمانون ، بينما كانت الفضائل والرذائل كلها قد اختبأت ، واجتهدت في إخفاء نفسها ؛ ما عدا الحب ؛ فهو - كعادته - لم يكن صاحب قرار ولم يحسم أمره أين يختفي !


تابع الجنون العد : 95 / 96 / 97 / 99 وعندما كاد يصل في تعداده إلى مائة قفز الحب وسط أجمة من الورد ، واختفى بداخلها بسرعة . عندها فتح الجنون عينيه ، وبدأ البحث صائحًا : شايفكم واحد واحد ، أنا هاطلّعكم كلكم، هاتروحوا مني فين ؟

كان الكسل أول من انكشف ؛ لأنه لم يبذل أي جهد في إخفاء نفسه ، بعده ظهرت الرقّة المختفية في القمر ، ثم خرج الكذب من قاع البحيرة وقد كاد أن يموت اختناقًا ، وأشار على الشوق أن يرجع من باطن الأرض ، حتى لا يقضي نحبه دون أن يشعر به أحد .


المهم أن الجنون كشف مخابئهم واحدًا بعد الآخر ؛ ما عدا الحب الذي أخفاه الورد والشوك . وقبل أن يصاب الجنون بالإحباط واليأس من أن يكشف مخبأ الحب - وبكل نذالة - اقترب منه الحسد هامسًا في أذنه : هناك ، شايفُه ؟ عامِلْ ناصحْ ومستخبي بين أشجار الورد !


وفي اندفاع التقط الجنون رمحًا خشبيًّا ، وبدأ في طعن شجيرة الورد بشكل طائش ، ولم يتوقف إلا عندما سمع صرخة عظيمة ، وتأوهات تمزق القلب !


بعدها ظهر الحب ، وهو يحجب عينيه بيديه ، والدم يقطر من بين أصابعه ! ويصيح آه يا عيني ! خبط الجنون رأسه عدة مرات في صخرة قريبة وصاح : يا الله ؛ ماذا فعلت ؟ لقد أعميت عينيه ، لقد جنيت على الحب ، كيف أصلح غلطتي بعد أن أفقدتك بصرك ؟


ووسط آلامه ، أجابه الحب : سأتشبث بك مدى الحياة ، حتى لا أتخبط في الطرق ، فخذ بيدي ، وكن أنت عيني ، ودليلي في الحياة .



ومن يومها أصبح الحب أعمــــى يسوقه الجنون.

6 comments:

Anonymous said...

بجد موضوع تحفة ،وتعبيراتك رائعة فعلا الحب اعمى يسوقه الجنون

بس ياريت ياهالة في اللعبة اللي جاية الجنون يخبط الحسد خبطتين يجبلنا أجله خلينا نخلص بقي

Anonymous said...

هو أعمى فعلا ويسوقه الجنون بس بردوه بيتشبث بالحياة .. على غرار ضربوا الأعمى على عينه

بيتنا القديم said...

"سأتشبث بك مدى الحياة"

كانت احبهم الي قلبه عائشة

وكانت اقربهم اليه فاطمة

وكان صلي الله عليه وسلم لا يفتر ان يذكر

خديجة وايامها والحب الذي لم ولن يندمل

فهل هذا يغير من حمية طرحك ولو قليلاً

للقلب اسرار لا يعرفها سوي المحبين

ومن احب تكشفت امامه ينابيع الحقيقة

فشرب وارتوي واراح قلبه بجنون

تحياتي

ويجعلوعااااااااااااااااااااااااامر

هالة said...

شكرا يا سمسم علي تشريفك مدونتي. وبصراحة عجبني جداااااااا تعبيرك عن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أصدق حب عرفه البشر، ولكني لا اهاجم الحب وجنونه، فقد اعجبتني تبرير الأسطورة الخيالي لهذا الجنون.

shereen sobhy said...

الله عليكي بجد جميل / للمرة الاولي اعرف قصة هذا المثل الشعبي ، ولكنني دائما اعترض عليه حيث اعتقد ان المحب يري عيوب محبوبة ولكنه يقبلها وفرق كبير بين عدم الرؤيا وبين تقبل العيوب

هالة said...

مرحبا بك يا شيرين علي مدونتي ومبروك مدونتك الجديدة واتمنى لك التوفيق.
واوافقك ان المحب يعلم عن عيوب محبوبه الكثير سواء من خلال نفسه أو من خلال حديث الغير عنه، ولكن هذه العيوب لا يطلق عليها حتى مسمى عيوب، فكل ما في حبيبه مميزات، ويتخيل المحب أنه بحبه يستطيع تغيير حبيبه وقد يحدث وأن يغير الحب الحقيقي من طبيعة الأحباء.