Saturday, October 26, 2019

أنا قلبي مساكن شعبية


لعل "محمد منير" لم يتغنى بهذه الأغنية إلا لما في هذه المناطق من دفء الحياة بناسها الطيبين الذين يمتلئون شهامة ومروءة وعشرة طيبة تدوم طيلة العمر لتجعل الجيران أكثر من أهل، لكن كثير وكثير من المساكن الشعبية تعاني المشكلات العديدة التي لا يلقى لها المسئولون بالاً، ولعل هذا النسيان من جانبهم يرجع إلى طبيعة سكانها البسطاء، ذوو الدخول المحدودة والوظائف البسيطة وغالبا ما تكون معيشتهم يوما بيوم، ولذا يعتبر المسئولون أن هؤلاء ليس لهم حقوق ولا وجود.

ولنتخذ مثالا على تلك المناطق منطقة يطلق عليها مسمى "المتربة" ولا أعلم سر تسميتها لعلها جاءت من طبيعة المنطقة التي تكثر بها الأتربة، لأن طرقها غير ممهدة، وبالتالي التراب لا يكاد يفارق بيوت قاطنيها أو ملابسهم وأحذيتهم عند خروجهم من منازلهم.

وتقع منطقة المتربة بين مطار إمبابة وبشتيل وتجاور الكوبري الدائري وتوجد بها العديد من الشركات والكثير من المدارس الخاصة، مما يجعل موقعها غاية في التميز فيسطيع قاطنها الوصول لوسط البلد بسهولة وكذلك الوصول إلى أي مكان يخدمه الكوبري الدائري ببساطة كبيرة سواء مدينة السادس من أكتوبر أوأحمد عرابي وغيرها من المناطق الأهم.

وما يثير الدهشة أن ما يحيطها من أماكن يتميز بالتطوير والتجديد كأرض اللواء التي شهدت تغيرا كبيرا فقد مُهد طريقها وتم تبليط الشوارع الداخلية لها وعمل كوبري مشاة علوي مزود بالسلالم المتحركة والمصاعد، وكذلك منطقة مطار امبابة التي تم رصف طريقها الرئيسي وتبليط شوارعها، لكن المشكلة المتكررة والملحة في غالبية المناطق هي مشكلة القمامة.


وبعودتنا لمنطقة المتربة نجد أن سكانها لا يكادون ينتهون من مشكلة حتى تطل أخرى برأسها عليهم، ولعل أوضحها مشكلة المجاري التي لا تكاد تختفى وتظهر بفظاعة تعرقل حركة المارة وتملئ مياه المجاري الشوارع، ولا يستطيع الناس العبور، ولعل أساس المجاري وتخطيطها وإنشائها غير متقن ويعاني المشكلات منذ البداية.

أما المشكلة الثانية والتي تعاني منها الكثير من مناطق محافظة الجيزة وهي أطنان القمامة، وللحق فقد حلت المشكلة بشكل مُرضي بعض الشيء بعد إبلاغ رئاسة الوزراء بالمشكلة، فأصبح الحي يزيل القمامة المجاورة للدائري بشكل يومي تقريبا، ولكن تظل المشكة قائمة في الشوارع الداخلية وتصاعد أحجامها وعدم وجود صناديق تجعل القاء الزبالة محدد للجميع، ولا تخرج المشكلة عن كونها سلوك بشري غير مسئول فيلقي سكان بعض العمارات بالقمامة من الشبابيك والبلكونات للأرض المقابلة لها فتتعدد مقالب الزبالة وتكثُر الحشرات والحيوانات الضالة التي تهدد سكان المنطفة، ولا دليل أكبر من تضاعف عدد الكلاب بالمنطفة وهو الأمر الذي يقع خارج السيطرة ويرعب الأهالي خاصة الأطفال، الذين قد يتوقفون بالنصف ساعة خوفا من الكلاب حتى يمر أحد الكبار فيساعدهم في المرور.

أما المشكلة الثالثة فتأتي في الطريق الرئيسي للمنطقة والذي يربط بين أرض اللواء وبشتيل، والذي مُهد من أرض اللواء حتى مطار إمبابة ثم تُرك بفظاعته ومطباته وهو الكفيل بتدمير أي سيارة تمر بهذا الطريق الصعب، ولذا يرفض أي سائق أجرة أن يأتي إليها لصعوبة أرضها.

أما المشكلة الرابعة فهي مشكلة تعم غالبية البلاد وهي العامل الأمني فكثرة البلطجية واللصوص أصبحت جلية للعيان ولا يسرق الآن اللصوص في الخفاء ففي عز الظهر يتم سرقة مواتير المياة والعدادات والشقق وأسلاك الكهرباء والناس بالطبع وتهديد الكبار والصغار منهم، فهذه الأم تروي لي أن سائق توك توك سرق منها محفظتها بما فيها من أموال وبالطبع التليفون المحمول وهي مستسلمة خوفاً على أطفالها من ضرره، وأخرى أنفذ الله طفلها الذي اصطحبه أحدهم بعيدا عن الأنظار بحيلة انطلت على الصغير لسرقة الموبايل الذي يحمله، وأخرى كانت تتحدث في التابلت الخاص بها فيخطفه منها اثنان يركبان الموتوسيكل، وهذا الذي دخل أحد مداخل العمارات ليسرق عداد الكهرباء في حضور بعض سكان العمارة وعند سؤاله عما يفعل ذكر أنا "مباحث كهرباء" وقام بفك العداد وأطلق ساقيه للريح، وعمارة أخرى تم سرقة ستة مواتير مياة منها كاملة غيرها وغيرها من الحوادث ... واتساءل هنا لماذا تغمض الحكومة عينها عن هؤلاءاللصوص .. كيف يغيب عنصر الأمن والأمان وكيف يستطيع الناس العيش في ظل الغلاء والبلاء وغياب الأمن كذلك، فلابد من التحرك من جانب الحكومة لحل تلك المشاكل التي تجعل الحياة مريرة على أهالي هذه المنطقة ولتعود الشرطة لعملها لردع المجرمين الذين كثر عددهم بشكل مريع.



هالة الدسوقي


Tuesday, October 08, 2019


أعظم قصة حب

هالة الدسوقي

إنها كما وصفت "أجمل قصة حب" .. وهي حصيلة بحثي الكثير عن قصة حب مثالية بعيدا عن شاشات السينما والتلفاز وصفحات الروايات .. فعندما وجدت قصص الحب الجميلة غالبا ما كانت تنتهي بالفراق، أو تنتهي بالزواج !! نعم فكما يقول المثل "إذا دخل الزواج من الباب خرج الحب من الشباك"، نعم بالزواج يظهر لكل طرف عيوب الآخر، لأنهم أصبحوا في حياة كاملة أركانها من المسئولية والواجبات وكذا الحقوق والأبناء ما يجعل كرة الحب تتحطم بعد اصطدامها بصخرة الواقع.

أما هذه القصة فهي قبل أن تكون قصة حب بدأت كقصة زواج .. ولم أجد أرقى ولا أرق من زوج كرسول الله صلى الله عليه وسلم، والكل يعلم قصة حبيبنا ورسولنا الكريم مع زوجاته، لكني أعدت قراءة قصته بمزيد من التأمل، فكانت السيدة عائشة أحب الناس إليه وهو ما جهر به ولم يخجل منه قط ولم  يجده عيب أو سُبه في جبينه، بل رد دون تردد عندما سأله عمرو بن العاص "أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " عَائِشَةُ " ، قُلْتُ : مِنَ الرِّجَالِ ؟ قَالَ : " أَبُوهَا ".

لم يخجل - كما قلت - ولم يتردد ولم يفكر للحظة، الآن .. قد تجد من يتعمد تشويه صورة زوجته أمام الآخرين ويعتبرها معتقل فيطلق عليها "الحكومة"، وربما أحسن إليها في البيت، ولكن أمام أقاربه أو اصدقائه يبدأ وصلة استخفاف واستظراف تبعث على الكآبة، ليظهر "الثقيل" أكثر خفة.
وأثار حب الرسول صلى الله عليه وسلم غيرة زوجاته الأخريات، ففكرن بمن يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرها، فوقع اختيارهم على السيدة فاطمة ابنته الحبيبة لتراجعه في أمر السيدة عائشة، فما كان منها رضي الله عنها، إلا أن ذهبت لرسول الله صلي الله عليه وسلم وقالت له: ان نساءك يطلبن منك العدل في ابنة أبي قحافة !!

فرد الرسول الكريم على أفضل الصلاة والتسليم: يا فاطمة أتحبين ما أحب؟ قالت نعم: فقال عليه الصلاة والسلام انني أحب هذه (أي عائشة).. فأحبيها!!
بمنتهى الصراحة رد على ابنته الحبيبة أنه يحبها، وليس ذلك فقط بل أمرها بمحبتها أيضا .. ما أروعك يا حبيبي يا رسول الرحمن.

حاليا .. قد يحدث هذا المشهد الكوميدي .. تسأل الزوجة زوجها ألا يُذكره اليوم بشيء؟ فيقع في حيص بيص ويستعرض أيام السنة كلها من عاشوراء لرأس السنة لعيد تحرير سيناء ولا يصل أبدا للإجابة التي تكون في الغالب عيد زواجهم أو عيد ميلادها؟ وهو كما لا يتذكر الأيام لا يلاحظ أيه تغييرات تطرأ عليها أو على حديثها سواء كانت سعيدة أو حزينة .

فماذا كان يفعل الحبيب وكيف كان يلاحظ تغير زوجته الحبيبة، وهو ما روته السيدة عائشة ، حيث قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى، قالت فقلت: ومن أين تعرف ذلك. قال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت لا ورب إبراهيم. قالت قلت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك".
ما هذه الروعة وهذا الرقي، حوار راقي مهذب جميل، وقوة ملاحظة رائعة من زوج لا يفوته أدق الأمور وأبسط التعبيرات من جانب زوجته، أما في عصر الانترنت، والعلم قد فاق كافة التخيلات، ماذا قد يكون عليه الحوار بين الزوجين عندما تكون الزوجة غاضبة وماذا يكون رد فعل الزوج .. لا داعي للحديث أو ذكر أمثلة، فالأخلاق في تراجع والتهذيب في تلاشي والرقى في ذوبان، ليحل محل كل هذا الكلمات البذيئة والتعبيرات المشينة، والصوت العالي لكي تخرج المناقشة من إطارهما للجيران، وبالطبع الأبناء في الوسط لا يدرون بماذا يوقفون هذا الطوفان الهائج !!

للأسف يا سادة .. غادرتنا الأخلاق فغادرتنا راحة البال، وغادرنا سنة الحبيب فغادرتنا الراحة والسكينة، وأصبحت بيوتنا بلا معني ولا مذاق ولا هدف.
وبالعودة لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ..فلم يتوان رسولنا الحبيب في إدخال البهجة إلى قلب السيد عائشة ولنسمع ما روته، حيث قالت :"ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لى : تعالى أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلي .. وسابقني بعد ان حملت اللحم وبدنت فسبقني وجعل يضحك وقال هذه بتلك !

وما قالته رضي الله عنها : دعاني صلى الله عليه وسلم، والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد، في يوم عيد - فقال لي : يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه ، فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم، فوضعت ذقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده، فنظرت من فوق منكبيه، حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم قال : فاذهبي".
صلى الله عليه وسلم وجد ما قد يدخل السعادة على من يحب فسارع إليها لتشاهد بل وينتظرها لتنظر من خلفه حتى تفرغ من المشاهدة كما تريد، ما كل هذا الحب ما كل هذا التقدير والبحث عن السعادة لمحبوبته التي لا يفتئ إلا ويفكر فيها في كل لحظات حياته بها، والأمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها والغريب أن الكل يعرفها.

نعم الكل يعرفها .. ماذا لو ذكرت الزوجة زوجها برفق الرسول صلى الله عليه وسلم وحلمه وصبره وحكمته وحسن تصرفه في كافة الأوقات ومع كل الشخصيات زوجة وأبناء وصحابة دون أن ينقص من حق أحدهم شيء، يرد الزوج :"هذا رسول الله  .. أين نحن منه؟!"
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الطبيعة السمحاء والحب المفرط مع زوجته السيدة عائشة، في الوقت الذي كانت فيه الدنيا تحاربه وأثقال أمة كاملة فوق كتفيه وهموم الدنيا تلاحقه، ورغم كل ذلك لم يدخل في مرة واحدة وهو عاقد الحاجبين أو دون ابتسامة .. أما بعض رجال اليوم فقد أصابهم الخرس الزوجي، وفضلوا المحادثات مع الأصدقاء، نسوا الابتسام والضحك مع زوجاتهم فضغوط العمل لم تترك له المجال لمثل هذه التفاهات – من وجهة نظرهم-

وعندما يصيبها القلق أو الضيق لا تجد للأسف يده تمتد لتربت على كتفها وتبرهن لها عن حبه لها ووقوفه بجانبها في أحلك الأوقات، قد لا يشاركها بحث مشكلات الأولاد وتربيتهم التربية الصالحة، لأن هذا – كما يرى – مهمتها وليست مهمته، حيث انحسرت مهمته في عمله فقط، وتحول المنزل لفندق للنوم أو للدردشة على النت مع الأصدقاء، رغم أنه لو حاول أن يكون لها "محمد" فسوف تصبح هي له "عائشة".

أريد أن اختم بأروع مشهد رومانسي يحلم به الكثير من العشاق ويردده دائما بعض المفتونين " اتمنى الموت بين ذراعيكِ "، مات الحبيب بين يدي السيدة عائشة، وهو ما عبرت عنه بقولها رضي الله عنها :"إن من نعم الله علي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي ، وبين سحري ونحري ، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته".
عليك أفضل الصلاة والسلام يا حبيبي يا رسول الله، اللهم ردنا إلى ديننا الرد الجميل.