Tuesday, November 24, 2020

 

في ضعفها .. أقوى الأمهات

 

هالة الدسوقي


لا أنسى تلك المرأة مطلقا فهي تتردد بشكل دائم على ذاكرتي، رغم أني لم أرها سوى مرتين فقط .. وجهها الأبيض الذي لا يعكس كثير من التعبيرات فهو في وضع ساكن وهادئ، جسدها النحيف الذي يتحمل ربما أكثر من طاقتها، وصحبتها لابنتها - وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة -وتعاملها معها بلطف وحنان ورفق قد يفتقره كثير من الأمهات..لا أعلم اسمها ولا اسم طفلتها ولم أحط بظروفها خبرا.. كل ما علمته
عنها أنها أم من الزمن الجميل.

راقبتها باهتمام، أثناء وجودي في مركز متخصص لاجراء عمليات الأسنان للأطفال، وكما اصطحبت طفلي الذي يحتاج لعملية اصطحبت هي طفلتها، لفت نظري أنها كانت بمفردها مع طفلتها، تراقبها وتلبي رغباتها دونما أن تتحدث تلك الطفلة، فتعطيها الطعام وتنتهي منه وتمسح لها فمها وتعطيها الماء، غير متبرمة ولا ضجرة مما قد يصدر من الطفلة من أخطاء تحتمها عليها طبيعة حالتها، فهي تعمل ما تستطيع عن طيب خاطر ومحبة وعشق كبيرين...انتهت هذه السيدة من تشخيص حالة ابنتها وانصرفت سريعا، وكانت تلك المرة الأولى التي رأيتها فيها.

أما لقائي الثاني بها فكان في المستشفى وهو يوم إجراء العملية، وكل الحاضرين قد اصحبوا معهم شخص أو اثنين من الأقارب، إلا تلك السيدة فقد حضرت بصحبة طفلتها فقط، وكانت طفلتها أول من أجرت العملية بين الأطفال، تحلت أمها بالشجاعة والصمت، وقفت بجوار طفلتها تمسح عن فمها الدم تنتظر تعليمات الأطباء ، وعندما وصف لها الأطباء الأدوية المطلوبة أسرعت لإحضارها تاركة خلفها تلك الطفلة الصغيرة، وتساءل الحاضرون لما هي وحدها ؟؟ نراها وحدها لكني وجدتها أقوى من الحاضرين جميعا.

وفي لحظات ظهرت تلك المرأة وقد عادت لطفلتها مسرعة، واستمرت في عنايتها ورعايتها في صمت وصبر يتحدثان كل لغات الرفق واللين والعطف المجتمعة في العالم كله، طفلتها لا تقوى على شيء، لكن هي رغم بساطتها وطيبتها الظاهرة في شكلها وتصرفاتها أقوى الأمهات التي صادفتها في حياتي.... ولو بيدي لتوجتها على عرش الأمهات.

ولعلي اتذكر تلك السيدة عندما أرى أحد الأمهات وقد انشغلت عن طفلها الذي يحاول ويحاول مرارا وتكرارا أن يحدثها دونما فائدة، وهي قد انشغلت عنه بتليفونها غير عابئة بتوسلاته أو طلباته، وأحيانا ترد بنهيه عن كلامها وتأمره بالصمت أو لا تعيره اهتماما من الأساس، أو قد تعطيه تليفونا آخر ليسلك مسلكها ويعيش كلا منهما في عالمه الخاص،  تلك الأم  لم يخطر على بالها أن طفلها يشعر بالوحدة رغم قربه منها،  إنه لا يحتاج للإلهاء بل يحتاجها هي..

 hala2662007@gmail.com

 

Sunday, May 31, 2020

هذا هو .. بطلي الأول 


لعل هذه هي المرة الأولي التي أكتب فيها عنك، ولن أوفيك حقك ولو ظللت أكتب عنك طيلة حياتي. .. بطلي الأول .. أبي، الذي كان صديقي الأول ، يسير معي منذ نعومة أظافري في كل مكان خاصة في رحلة دراستي، لا يهتم بأحد مثلي ويلقبني منذ صغري بدكتورة هالة.

أنت الأب، الذي بكى لأجلي بحرقة خوفا من أن أضيع منك .. وقتما مرضت في مهدي، سيطر الحزن عليك وفاضت دموع عينيك تسقى لوعات قلبك، ظنا منك أني أوشكت على الموت، وأراد الله، سبحانه وتعالى، لي الشفاء في كنفك ورعايتك حتى أصبحت كما كنت تتمنى لي..

تعلمت منك  الكثير والكثير .. فرغم أنك لم تتعلم صممت على أن تعلمني وأخوتي ..
ورغم أنك لا تقرأ ولا تكتب، إلا أنك علمتنا ما يفتقره كثيرا من المتعلمين، فحرصت على أن تزرع داخلنا مبادئ لعلها توارت هذه الأيام وأوشكت على الاختفاء، على رأسها يأتي الصدق، فبفضل من الله لا يوجد في أسرتنا كاذب واحد بفضلك وفضل أمي، التي خاصم لسانها أيضاً الكذب، فكنتم دائما وأبدا معنا صادقين، وكذلك أصبحنا نادرين في عالم يتنفس الآن كذبا إلا من رحم ربي.

أشد ما يثير إعجابي بك تمتعك بالشجاعة والثبات على الحق وعدم الخوف من ذي سلطان، وكما كنت تردد "لا يقبض الأرواح إلا خالقها".. فظللت لا تخف سوى من الله عزوجل، فلا تتوارى أمام صاحب سلطان أو تتراجع أمام صاحب منصب أو تتلاشى أمام صاحب جاه، بل تعلن رأيك دائما دون تردد. 

ولعل ما صقل شخصية أبي وزاده صلابة مشاركته في حرب الكرامة والعزة حرب "العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر"، فلا تمر عليه تلك الذكرى، إلا ويسرد لنا تفاصيل مهمته بعشق وحب شديدين، فتمتد يده لترسم لنا ملامح القادة والجنود، ويرسم لنا طريق سير العربات والدبابات، ويُسمعنا أصوات الطلقات وتحليق الطائرات، لا ينسى لحظة من لحظات الملحمة البشرية، ولا يمل من الحديث عن المعركة ولو حكى عنها ليل نهار.

ويا لها من متعة ويا لها من تجربة ! صعبة ..لكن من خاضها حقاً محظوظ فقد عاش البطولة وحُفرت بداخله الرجولة، حتى جعلت الخوف يختبيء منه ويتوارى..
تعلمت أيضاً من فارسي النبيل، الصفة الثانية التي كان يُوصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الأمانة، فلو أُستأمن شجاعي هذا على كنوز الأرض لحفظها دون أن ينظر مجرد نظرة إليها لحين ردها لصاحبها، تعلق قلبه بالمساجد وأحب الحبيب عليه الصلاة والسلام فظللت تتقفى أثره.


ورغم اختلاف آراءنا في بعض الأحيان، إلا أنك سوف تظل كما كنت في صغري حبيبي وبطلي متعك الله بالصحة والعافية وجعلك زخراً لنا وجعلنا في ميزان حسناتك ووالدتي يوم القيامة..أدامك الله تاجاً فوق رؤوسنا أبي الحبيب.

Friday, March 20, 2020

الكهف والعزل 


تحوي سورة الكهف ، التي يقرأها أغلبنا يوم الجمعة، فكرة العزل، التي تعتبر المخرج الوحيد للبشر حول العالم من فتك فيروس كورونا بهم، وكذلك نصت على فكرة عدم الخروج إلا للضرورة وهو ما شرحه كتاب الله العزيز في قصة أصحاب الكهف، وفي نهايتها بين الحكمة من اعتزالهم العالم، وقد تأملت الآيات فوجدت هذا الترتيب واضحا جليا، وقارنت بين حالهم وحالنا الآن، كالتالي: 

1- العزل:  فر أصحاب الكهف من قومهم الكافرين وعلى رأسهم الحاكم ديقيانوس، حفاظا على عقيدتهم، خوفا من إجبارهم على تركه عنوه، فهداهم تفكيرهم للجوء إلى اعتزال العالم، كما جاء في الآية الكريمة:

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16) 

وفي الكهف، تأكدوا أن الله سوف يشملهم ويحيطهم برحمته الواسعة، ويكتب لهم صلاح الحال ..

2- عدم الخروج إلا للضرورة ...

فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19

نلمس في هذه الآية: الحرص الشديد من قبل أصحاب الكهف على إخفاء أمرهم، وعدم اطلاع قومهم على اعتزالهم والاختباء بعيدا عنهم، وبعد اسيتقاظهم بقرون ألحت عليهم الحاجة للطعام، فأخذوا بالأسباب المقرونة بالتصرف الصحيح والإجراءات المحسوبة، فاستقر رأيهم على ارسال مبعوث منهم للشراء .. واحد فقط .. يذهب متلطفا، آخذاً في اعتباره ألا يُشعر به أحدا.....

إنه العقل، الذي يتعامل مع الموقف بما يستحقة من تصرف، الاختباء يتطلب التلطف ثم المرور بهدوء كالنسمة الرقيقة التي لا تكاد تُحس.

3- الحكمة من اعتزالهم العالم:

الحكمة على وجهين، لعلها لأصحاب الكهف الفرحة برؤيتهم لمن آمن بعد إيمانهم بقرون وأن الله ناصر دينه لا محالة، وصواب رأيهم بالثبات على الحق، ولو فيه البعد عن العالمين.
وكذلك بيان قدرة الله، سبحانه وتعالى، على البعث وأن القيامة آتية لا مجال للشك فيها، وقد تبين للناس ذلك بعد أن رأوا أصحاب الكهف وعلموا بقصتهم، فكان انتصارا للمؤمنين وتثبيتا وحجة على الكافرين وضعاف العقيدة، كما نصت الآية الكريمة:

وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا


وما أشبه حالنا اليوم بحال أهل الكهف ... ولكن مع اختلاف الأسباب فنحن معزولين خوفا من المرض، فارين بحياتنا وأرواحنا، بينما فر أصحاب الكهف بدينهم....وأصبح خروجنا للضرورة القصوى وهو ما شبه حال أصحاب الكهف لشراء الطعام، وهو حاجة إنسانية لا نستطيع إلا تلبيتها...

أما الحكمة من ظهور فيروس كورونا فيعلمها الله، سبحانه وتعالى.. 

ولعل الحكمة كما تراها الفقيرة إلى الله، أن هذا الفيروس تذكير بسيط .. في حجم صغير لا يُرى بالعين المجردة، لينسي جبابرة العالم النوم، ويقض مضاجعهم، وينسيهم غطرستهم ويمحي كبريائهم.

وليُذكر كل ظالم بأنه يجب عليه أن يعيد حساباته، ويردوا الحقوق لأصحابها قبل فوات الآوان..

ورغم أن الموت حقيقة لا يجهلها الظالم أو الجبار، إلا أنهم غالبا ما يتناسوه، ويظنوا أنهم قد بلغوا من الجبروت ما يمكنهم من التحكم في مصائر العباد دون رادع أو مانع... فيرسل الله لهم علامة توقفهم حائرين مرعوبين، وتُغلق في وجوههم الطرق، ولا يجدوا إلا طريق واحد، وهو طريق الله، فيبهتوا ويعودوا إلى رشدهم لا سبيل سوى دعاؤه والتضرع إليه من أجل رفع البلاء والقضاء على الوباء.


المصريون وكورونا


Saturday, February 08, 2020

Sunday, January 05, 2020

أشباه الرجال

أشباه الرجال


طالعنا الفترة الأخيرة العديد من الأخبار المؤلمة التي تسئ للعرب والمسلمين بداية من الدبلوماسي العربي الذي ضرب زوجته في عرض الشارع في إحدى الدول الأوروبية، مرورا بالعربي الذي طُلقت منه زوجته لسوء معاملته لها، فما كان منه إلا أن دهسها بسيارته أمام أطفاله، ولم يكتفى بذلك بل ظل يضربها بآله حادة على رأسها حتى فصل رأسها عن جسدها، حتى وصلنا لمن يقتل زوجته رميا بالرصاص من أجل الخلاف على طبق ملوخية !!... وغيرها من الحوادث التي قد تفشل أفلام الرعب أو الأكشن في تصويرها.

والسؤال .. لماذا يتحول هذا الشخص المدعو "رجل" في لحظة، إلى وحش كاسر أو غول يُفرغ انعدام اخلاقه وسواد قلبه وغياب عقله فيمن هي "أقرب الناس إليه" .. وهي تلك المرأة التي وافقت على أن تهب له حياتها لينعم هو بالاستقرار والراحة، ويرى منها فلذات قلب تتحرك على الأرض، مقابل حصولها على لقب "زوجة" و"أم" مع المزيد من الالتزامات تجاهه وتجاه أولاده، دون حصولها على مقابل ملموس في عصر أصبح فيه كل الواجبات من نصيب المرأة وكافة الحقوق في صالح هذا المدعو "رجل"..

وبالعودة لسؤالي لماذا يتحول هذا الشخص إلى "وحش"؟  فقد يرد البعض - بفلسفة ومنطق أناني يرى دائما أن المرأة هي المذنبة -  أنها قد تكون هي التي "أثارته" و"عصبته"، وإن افترضنا أن هذا صحيح، فلما يتطور الأمر إلى حرب معلنة من جانبه ليصل الأمر إلى الضرب والعنف ثم ارتكاب جريمة في حق من ارتضته في يوم من الأيام بأن يصبح زوجها .. أو سجانها ..أو قاتلها ؟؟ أعتقد أن الشراسة ليست هي الحل، فمن لا يطيق زوجته فعليه ألا يعذبها ويعذب نفسه وكذلك أطفاله، فليبتعد عنها ويتركها بالمعروف ويردها إلى أهلها دون أذى.

وما يثير عجبي.. أن حظ هؤلاء المجرمون في الغالب يوقعهم في نساء غالبا يتحلون بالأخلاق والصبر والحرص على استمرار الحياة من أجل الأطفال مع هؤلاء الأزواج منعدمي الضمير وفاقدي الدين، ولكن هذا المنطق ينقلب على رؤوسهن، ويظن هؤلاء المرضى أن تلك المرأة ضعيفة لا حيلة لها ولا خلاص لها من عشرتهم السوداء.

وبالطبع فحديثي عن بعض الرجال أو "أشباه الرجال"، الذين أًطلق عليهم رجال لكونهم فقط "ذكور"، ولكنهم في خصومة مع الرجولة وعداء مع المروءة، وبالتالي لا يستحقون أن يكونوا أباءً أو أزواجاً، ويصور لهم خيالهم المريض أنهم بمجرد زواجهم قد تملكوا المرأة وتحولت من كونها إنسانة حرة إلى جارية، تكون له الزوجة والخادمة وأم الأولاد والمعلمة والممرضة والطباخة، وفوق هذا وذاك تشارك في مصاريف البيت يدا بيد معه فتمثل له البنك الذي يستدين منه وقتما يشاء سواء رد لها أموالها أو دون الرد ...ثم ماذا... ثم ...لا احترام .. لا تقدير.. لا ابتسامة .. لا كلمة طيبة .. بل ليس لها الحق في نطق كلمة ولا في نقاش ولا في رفع صوت ولا في نظرة اعتراض..هذا كلام من قلب الحقيقة وعلى أرض الواقع يرتكبه "أشباه الرجال" في حق زوجاتهم.

وقد يتساءل البعض لما تكون المرأة بهذه الصورة المتفانية في العطاء، واللاتي يؤثرن التهدئة في الغالب ويقابلها هذا القدر من اللؤم، فتكون الإجابة أن بعض الشخصيات عندما تُقابل بالطيب تستغل هذه الطيبة بمزيد من الخبث والاستغلال، فيخرج كافة عيوبه في وجه هذه السيدة، متصورا أنها لن تثور في يوم من الأيام فهي صابرة وسوف تظل كذلك .... ولكن "الله لا يكلف نفسا إلا وسعها"، فلماذا يكلف البشر أمثالهم من البشر ما لا يطيقون؟!

ولعل تجارب الواقع المؤلم تجعلني أُحلم بإجراء اختبارات لكل من يرغب في الزواج، لمعرفة إذا كان يصلح زوج وأب من عدمه، ولكن ديننا الحنيف قدم لنا الحل لعدم الخوض في تجارب زواج مؤلمة، وهي البحث عن صاحب الدين أو صاحبة الدين، دون الانخداع بالمظاهر الكاذبة، حتى تكون هناك حياة تنتج أجيالا صالحة.

هالة الدسوقي

hala2662007@gmail.com