Wednesday, March 24, 2021


 

مفيش دكتور تاني يا ماما ؟!

كتبت  - هالة الدسوقي

Lola2662007@gmail.com

كان هذا هو السؤال البرئ الذي أذاب قلبي عندما طرحه عليه ولدي بعيون تملؤها الدموع !

ففي الليلة الماضية استيقظ صغيري من نومه ببكاء شديد وصراخ "ودني .. ودني يا ماما بتوجعني؟!".

كان ذلك في الثانية عشرة ونصف بعد منتصف الليل، فحاولت أن اتصرف في حدود معرفتي لعدم إمكانية العثور على طبيب في ذلك الوقت المتأخر.

واضفت لأذنه نقاط من قطرة ضد التهابات الأذن، لكنه لم يشعر بتحسن واستمر بكاءه وصراخه، فقررت البحث عن طبيب، وهو ما جعل صغيري يبث مخاوفه لي - ماما قولي للدكتور مش عايز حقن !

وتوجهت لمستشفى عام تعمل الـ 24 ساعة وهي مستشفى إمبابة العام المشهورة بـ"الموظفين"، وأسرعت خطواتي وأنا أحمل طفلي البالغ من العمر 4 سنوات لحجرة الأطباء المضيئة بالبلاطي البيضاء، وشرحت ما به من وجع، فما كان من جمع الأطباء إلا أن يقولوا: ليس بيننا متخصص أنف وأذن، ولذا اصعدي لقسم الأطفال هم المختصين في هذا الشأن.

فما كان مني سوى الامتثال لنصائحهم والصعود لقسم الأطفال، والتي تعتبر رحلة طويلة، فسلكت خلالها شوارع وحواري وأزقة طويلة لأصل للأسانسير ثم في الدور الثالث سلكت أيضا ضروبا كثيييرة إلا أن وصلت لقسم الأطفال، وشق هدوء الليل صوت جرس دقته لنا إحدى العاملات التي تطوعت لتدلنا على القسم المنشود لتنبيه الأطباء أن هناك مريض قادم.

ودخلنا للقسم توجه لنا دكتور - خالي شغل - وسأل .. خير بيشتكي من أيه؟

-          قام من النوم يصرخ من ودنه.

الدكتور: ودنه..دي حاجة مقدرش افيدك فيها، انزلي للطوارئ تحت هما يفيدوكِ.

-          ما هما اللي قالولي اطلعي لقسم الأطفال هما المختصين.

الدكتور: يعني عشان هو صغير يبقى يحولوه لقسم الأطفال، دا محتاج أنف وأذن، وبعدين انا معنديش حاجة اشوف بيها ودنه.

-          يعني مستشفى طويلة عريضة مفيهاش الجهاز اللي تشوف بيه ودن ابني .. حاجة عجيبة والله !؟

الدكتور: والله هي دي الحقيقة، معايش حاجة اكشف عليه بيها - وبصراحة يا جماعة اشفقت على الدكتور وكدت ابكي على الاضطهاد الذي يلاقيه من أطباء الصباح المتعمدين اخفاء الأدوات عنه لتصبح عيناه بصيرة ولكن يده قصيرة-

وبعد ثوان خرجت من حالة الاشفاق وعدت ثانية لمشكلتي التي لا أجد لها حل ..

-          طب الولد بيتألم اعمل ايه دلوقتي، مفيش ولا دكتور انف وأذن  بيشتغل بالليل!

الدكتور : تقدري تروحي القصر العيني ولا أحمد ماهر.

-          !!!!! طب متشكرة جدا .

وسلكنا نفس الطرق المتشعبة ونفس الحواري والشوارع وهبطنا السلم لنسلك حواري وأزقة اخرى لنصل لحجرة الطوارئ، وهنا اوضحنا لطقم الأطباء ما حدث.

فأوضحت لي ممرضة أنه بالفعل يحتاج لطبيب انف وأذن.

وبعد أن رأوا الحيرة والحزن يكاد يفتك بي والألم يعتصر ولدي اقترح أحد الأطباء بأعطاءه مسكن حتى الصباح لعرضه على طبيب مختص.

وغادرنا الحجرة تودعنا دعوات أحد الأطباء "ربنا يشفيه".

وفي طريقي لباب المستشفي سألني صغيري .. مفيش دكتور تاني يا ماما ؟!

فكان ردي : ربنا هو الشافي يا حبيبي.

موقف صعب وتوقيت أصعب ولحظات عصيبة لا أتمني أن يجربها أحد وخاصة الأطفال، ولكن من موقفي هذا تعلمت

دروس مستفادة، على رأسها

-          رجاءً..لا تمرض مساءً، وكذلك أطفالك.

-          إن حدث ومرض أحدهم فلا حل سوى المسكن - لحين ميسرة- ولا تفكر للحظة اللجوء لمستشفى عام أو حتى خاص فغالبيتها أخطاء.

-          حاول أن تكون اجتماعيا وضم لشلة أصدقاءك أحد الأطباء – أكيد هينفعك في وقت عوزه -

-          ضع أعصابك في ثلاجة عندما تتعامل مع برود بعض الموظفين أو الأطباء أو الممرضين، لأن ذلك هو السائد في مصر الآن، فادخر أعصابك لحرقها في إطار مشكلات أخرى تزدحم بها حياتك.

-          عندما تصطدم بواقع لا تتخيله .. ردد الأغنية الشهيرة "يبقى أنت أكيد أكيد في مصر"، فهي في حد ذاتها مسكن يساعدك على ابتلاع الزلط.

-          وفي النهاية استنتاج بسيط : في مصر، أطباء الصباح يغلقون الأدراج على أدواتهم حتى لا يفسدها طبيب الليل "الخلبوص"، كما أن طبيب الليل من طبعه الكسل، رغم أنه يعاني من الفراغ القاتل، إلا أنه يفضل عدم الكشف بحجة اختفاء الأدوات في ظروف غامضة وغامقة.